الحوارات

آراء الشعراء حول قضايا المجتمع السعودي: بين د. ماهر الرحيلي وإبراهيم زولي

لا وجود لدينا لتيار فلسفي.. ومادامت الفلسفة في مجتمعنا مُقصاة فلن تجد طريقها للنمو بطريقة صحيحة

التغير الحاصل الآن يمكن لمسه في الفئات العمرية التي تشمل الشباب والمراهقين الذين لن تظهر تشكلات الفكر لديهم إلا مستقبلاً

من الطبيعي أن يكون الخطاب الديني متقاطعاً مع الخطاب الثقافي وغيره من الخطابات في مساحات معينة والسؤال المهم عن كيفية هذا التقاطع

المشاريع الثقافية والفكرية ليست بحاجة إلى أفراد فحسب بل هي بحاجة إلى خطط وعمل مؤسسي واضح وفريق عمل عريض يمثل جميع الأطياف

الخطاب النهضوي محكوم بباعث نفسي معين لذا فهو قد يغيب عن كثير من خطابات الفكر السعودي والعربي عامة

الهوية عندنا وقعت بين فكي الذوبان المفرط والخصوصية المدّعاة وكلا الجانبين وجه من وجوه المبالغة المقيتة

د. ماهر مهل الرحيلي

لا أعتقد أن هناك فلسفة في السعودية بالمعنى الدقيق وإنما هناك كتاب يطرحون نظريات فلسفية بين الحين والآخر

إذا لم تبادر مؤسساتنا التربوية بمواكبة العصر ومتغيراته فإن التاريخ سيلقي بها خارج نافذة قطاره السريع

الخطاب الديني لدينا متخلف عن الركب المعرفي سواء الثقافي أو العلمي فكيف بالفلسفة التي يعاديها بنيويـاً ويرى أنها خروج على الدين

غياب المشاريع التنويرية عن مؤسساتنا الثقافية والتعليمية يعود إلى الخوف من التيار المتشدّد الذي يصم كل جديد بالتكفير والليبرالية

الخطاب النهضوي لم يغب عن تاريخنا الثقافي وكانت هناك إشراقات لا يمكن لمتابع أن يغفلها

لا يمكن أن نقول إن المجتمع السعودي يعيش أزمة هوية.. ولدينا جيل قادم يعرف كيف يدافع عن قضاياه وينتصر لمبادئه

إبراهيم حسين زولي

يحضر الشعراء في المملكة معنا في هذه الحلقة من سجالات والتي يشاركنا فيها الدكتور الشاعر ماهر الرحيلي والشاعر إبراهيم زولي، وذلك لمناقشة محاور المجلة العربية حول قضايا في الفكر السعودي، فإلى تفاصيل فقرات هذا السجال:

الفلسفة السعودية

الفلسفة كتيار ناشئ في السعودية كيف يمكن أن يكون في المستقبل، وكيف يمكن أن يتلافى ما وقعت فيه التيارات الأخرى من أخطاء أو هفوات على الساحة؟

ماهر الرحيلي: أعتقد أن وصف تيار أكبر بكثير من الواقع, فنحن لا وجود لدينا لتيار فلسفي, نعم لدينا قراء فلسفة ومهتمون بها, ولكن على وجل أو خجل.

ومادامت الفلسفة في مجتمعنا مُقصاة ومنبوذة لأسباب مختلفة فلن تجد طريقها للنمو بطريقة صحيحة, فساق النبتة الصغيرة حين ينمو في مكان ضيق متعرج سيأخذ الشكل نفسه.

إبراهيم زولي: تاريخ الفلسفة بدأ يتشكّل في العصر اليوناني على يد الثلاثة الأوائل (سقراط, أفلاطون, أرسطو) الذين وصلت إسهاماتهم للبشرية, وأفادت منهم حقب التاريخ المتعاقبة, بل ويذهب البعض أن هناك ما يسمى بالفترة قبل السقراطية.

والإسلام في وجهه الحضاري والتنويري قدّم نماذج فلسفية مضيئة حينما نشأ علم الكلام على يد المعتزلة, وظهور جماعة إخوان الصفا, ومن الشخصيات الرائدة التي لا يمكن إغفالها في الفلسفة الإسلامية ابن رشد والفارابي وابن سيناء وغيرهم الكثير, الذي احتفى الغرب بمنجزهم الفكري أكثر منا, وللأسف الشديد لازال البعض يرى أنهم زنادقة وخارجون عن الملّة.

وللعلم فإن أغلب المدارس الفنية والأدبية كالرومنسية والرمزية والسريالية كانت لها حمولاتها الفلسفية من هذا المنطلق. لا أعتقد أن هناك فلسفة في السعودية بالمعنى الدقيق للكلمة, وإنما هناك كتاب يطرحون نظريات فلسفية بين الحين والآخر, ولا يوجد لدينا مشروع فلسفي حقيقي لا على مستوى الأفراد, ولا على صعيد مؤسسات التعليم المتخصصة.

التحولات الجذرية

يعيش المجتمع وبخاصة في العقد الأخير عدداً من التغيرات على كافة المستويات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية وغيرها، فما أثر هذا الحراك المجتمعي في تشكيل الفكر السعودي، وما النتائج المؤملة من هذا الحراك للوصول إلى تشكل فكري ناضج؟

ماهر الرحيلي: التجدد ضرورة حياتية لاغنى عنها لأي مجتمع, والفكر لن يتشكل إلا بعد استقرار انطباعاتنا وتعاملاتنا مع هذه المتغيرات على مدى سنوات, السؤال هنا هل نحن نتغير -في محيط هويتنا طبعا- لمجاراة هذه المتغيرات أم مازلنا على التشكل المعهود خلال العقود الماضية؟, في رأيي أن التغير الحاصل الآن يمكن تلمسه في الفئات العمرية التي تشمل الشباب والمراهقين ومن هم أدنى عمرياً, وبطبيعة الحال لن تظهر تشكلات الفكر لديهم إلا مستقبلاً.

إبراهيم زولي: هذه التغيرات الحاسمة في كلّ المستويات ليست رياحها بعيدة عنا, ولسنا بمنأى عن هذه التحولات المفصلية التي يعيشها العالم بخطوات متسارعة.

هذ الحراك عصف بما يسمى بالنخبة المثقفة (الانتلجنسيا) وبدأ يتشكّل جيل جديد, جيل بالتأكيد أن المستقبل سيكون له, وسيكون واحداً من صانعيه, لذا فإن مؤسساتنا التربوية إذا لم تبادر بمواكبة العصر ومتغيراته فإن التاريخ سيلقي بها خارج نافذة قطاره السريع.

بين الدين والثقافة

إلى أي مدى يمكن أن يتقاطع الخطاب الديني مع الخطاب الثقافي؟ وحتى مع الفلسفي الظاهر حديثاً في الفكر السعودي، وما السبب في كون الخطاب الديني دائماً في أحد أطراف المعادلة في الحوارات الفكرية؟

إبراهيم زولي: الخطاب الديني لدينا متخلف عن الركب المعرفي سواء الثقافي أو العلمي, فكيف بالفلسفة التي يعاديها بنيوياً ويرى أنها خروج على الدين, والحقيقة أن الكلمة الأقرب للفلسفة في نصوصنا الدينية هي الحكمة التي وردت في كثير من الآيات القرآنية مقرونة بالكتاب كما يقول بعض المفكرين والفلاسفة, ولكن البعض لدينا لا يرى في هذا التفسير إلا خروجاً على الملة, وأنت تعرف ويعرف الجميع أن البعض منهم وقف ضدّ تعليم المرأة في بدايات تكون الدولة, لولا قرار سيادي أنهى ذلك الجدل العقيم، فكيف بالفلسفة التي قد تسبب لهم صداعاً أزليّاً.

ماهر الرحيلي: الدين فكر وثقافة أيضاً, هذا المفترض وليس ذنبه أننا جعلناه مقصوراً على ممارسات محدودة. من الطبيعي جداً أن يكون الخطاب الديني متقاطعاً مع الخطاب الثقافي وغيره من الخطابات في مساحات معينة, والسؤال المهم عن كيفية هذا التقاطع, وهذا أمر يعود لاعتبارات عديدة بيئية ومنهجية. الخطاب الديني في أصله منفتح على الآخر وداعم للتلاقح الفكري والمعرفي.

العمل المؤسسي والفردي

ما مرد غياب المشاريع المؤسساتية الثقافية والفكرية الكبرى التي يمكن أن نجدها عند بعض الأفراد فقط؟

إبراهيم زولي: غياب المشاريع التنويرية عن مؤسساتنا الثقافية والتعليمية يعود إلى الخوف من التيار المتشدّد الذي يصم كل جديد بالتكفير والليبرالية وما سواها من التهم الجاهزة التي لا ترتكز على حوار عميق وحضاري.

السبب الآخر يعود ربما إلى أن هذا التيار الراديكالي المسيطر على كثير من مفاصل مؤسساتنا التربوية, والذي إلى عهد قريب كان يرى في تحيّة العلم, وفي الاحتفال باليوم الوطني بدعة.

ماهر الرحيلي: نحن مجتمع لم ينشأ على احترام العمل المؤسسي, أطفالنا في المدارس ينشّؤون على العمل الفردي والتنافس المحموم فيما بينهم, أغلب مؤسساتنا تعتمد في نجاحاتها وإخفاقاتها على الأفراد الذين يديرونها، لا خطط واضحة للتنفيذ والمتابعة مهما تغير المديرون والرؤساء, والمشاريع الثقافية والفكرية ليست بحاجة إلى أفراد فحسب مهما كانوا مبدعين, هي بحاجة إلى خطط وعمل مؤسسي واضح وفريق عمل عريض يمثل جميع الأطياف. وعلى الرغم من غياب المشروع الثقافي المؤسسي في المؤسسات بشكل كبير, إلا أنه موجود عند بعض الأفراد وذلك لسبب واحد في رأيي, وهو توافر عنصر القناعة بأهمية المشروع.

الخطاب النهضوي

هل غاب الخطاب النهضوي عن قاموس كثير من الخطابات المختلفة والمتعددة في الفكر السعودي؟

ماهر الرحيلي: الخطاب النهضوي محكوم بباعث نفسي معين وبهمّ لا يحمله سوى فئة قليلة جداً في كل زمان, لذا فهو قد يغيب عن كثير من خطابات الفكر السعودي كما يغيب عن خطابات الفكر العربي عامة.

إبراهيم زولي: الخطاب النهضوي لم يغب عن تاريخنا الثقافي وكانت هناك إشراقات لا يمكن لمتابع أن يغفلها؛ فمحاضرة حمزة شحاتة بمقرّ جمعية الإسعاف الخيرية بمكة كانت عام 1940، والتيارات الأدبية في قلب الجزيرة العربية لعبدالله عبدالجبار طبع عام 1959 في القاهرة. وكتاب الرائد محمد حسن عواد (خواطر مصرحة) كان في عام 1926 ذلك العمل الذي ألقى حجراُ في البحيرات الراكدة آنذاك. وفي عام 1963 أصدرت ثريا قابل في بيروت أول ديوان شعري نسائي في الأدب المحلي, وتم منعه من دخول المملكة ومن إعادة طباعته لولا تدخل الملك فيصل آنذاك الذي أمر بدخوله وطباعته مرة أخرى.

والشاعر ناصر أبوحيمد الذي كان من أوائل الشعراء الذين كتبوا قصيدة النثر في مشهدنا الثقافي المحلي, أصدر ديوانه (قلق) عام 1960، ومحمد الرميح الشاعر الرمزي كما قدمته دار الأديب اللبنانية في ديوانه (جدران الصمت) الصادر عنها 1974. هذه بعض نماذج قالت كلمتها فواجهها البعض بما يسمى الخروج على التقاليد والأعراف, ولا يزال المسلسل مستمراً إلى يومنا هذا, وليس حادثة اعتراض أحد المحتسبين على شاعرة عربية في سوق عكاظ ببعيدة عن الذاكرة.

كان طريق التنوير ممهّدا للأجيال اللاحقة لولا بعض الانكسارات في تاريخنا الثقافي الجميل, والتي لا نزال نتكبّد بعض نتائجها إلى يومنا هذا.

هوية مجتمع

هل يعيش المجتمع أزمة الهوية؟

ماهر الرحيلي: هناك أزمة كبرى بدون شك, ولها حيثيات كثيرة, الهوية عندنا وقعت بين فكي الذوبان المفرط والخصوصية المدّعاة. وكلا الجانبين وجه من وجوه المبالغة المقيتة, هناك مساحة كبرى تتيح لنا التحرك بحرية دون أن تُمس هويتنا, ولكن ما الهوية التي نسعى إلى الحفاظ عليها وتكريس ملامحها, هل هي الدينية أم العرقية أم الجغرافية؟ وفي كل دائرة من هذه الدوائر حلقات أصغر وأصغر.

من يكتب اسمه بغير العربية في مواقع التواصل يعيش أزمة هوية, من ينفر من قراءة أدبنا المحلي ويهرب إلى الأعمال المترجمة يعيش أزمة هوية, من تخجل من ارتداء حجابها خارج وطنها تعيش الأزمة ذاتها, هناك صور كثيرة لأزمة الهوية عندنا, النفاق الاجتماعي والفساد الإداري عاملان كبيران لفقد الهوية, أي ازدواجية في رأيي هي شكل من أشكال فقد الهوية ومن ثم فهي أزمة نعيشها.

إبراهيم زولي: لا يمكن أن نقول إن المجتمع السعودي يعيش أزمة هوية, رغم الأبعاد الملتبسة لمفردة هوية, كما يقول أمين معلوف في كتابه الهويات القاتلة: الهوية من الكلمات المضللة, ﻷنها كلمة شديدة الشفافية وشديدة الخيانة.

لكن أقول بفخر إن لدينا جيل قادم يعرف كيف يدافع عن قضاياه, وكيف ينتصر لمبادئه, فهو يعيش ربيعاً ثقافياً في عهد رائد الحوار الوطني وعراب حوار الأديان والثقافات خادم الحرمين الشريفين, ويعرف الكثير من المثقفين أن الكتب التي كانت تدخل مهرّبة في عهد سابق هي الآن على أرفف معرض الرياض الدولي للكتاب, ناهيك عن هذا الانفجار المعلوماتي على شبكة الإنترنت, كلّ هذ بلا شك هيّأ للشاب السعودي ثقافة مؤسسة تعتمد على البحث والقراءة لا على الوصاية ونيابية التفكير.

د. ماهر مهل الرحيلي

ولد في المدينة المنورة عام 1398هـ حاصل على درجة الدكتوراه في الأدب العربي عام 1430هـ، أستاذ الأدب العربي المساعد في كلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، صدر له عدد من الكتب والدواوين الشعرية، منها: التجربة الشعرية بين أحمد شوقي وأحمد الغزاوي, في سكون الليل (ديوان شعر)، المعارضات في الشعر السعودي, ما بعد السكون (ديوان شعر).

إبراهيم حسين زولي

ولد عام 1388هـ في محافظة ضمد بمنطقة جازان جنوب المملكة العربية السعودية, نال البكالوريوس في اللغة العربية من جامعة أم القرى بمكة المكرمة, يعمل في مجال التعليم العام في جازان، أقام عدداً من الأمسيات الشعرية داخل وخارج المملكة، صدر له عدد من الدواوين الشعرية، منها: رويداً باتجاه الأرض، وأول الرؤيا، والأجساد تسقط في البنفسج، وتأخذه من يديه النهارات، ورجال يجوبون أعضاءنا.

المصدر
المجلة العربية
اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *