الحوارات

الشهرة وراء المسكوت عنه في الرواية السعودية

د. الرحيلي: "شعراء المدينة" يستلهمون من "أحد" معاني الحب والتأمل

اقرأ في هذا الموضوع
  • السفر والفقر من أهم البواعث الإبداعية
  • التقنية تحرض على التدوين وتحفظ النتاج الأدبي

أكد الأديب والناقد د. ماهر بن مهل الرحيلي في حوار مع «الرياض» أن الروائيين السعوديين كانوا سبباً لطفرة روائية كبيرة في الكم والكيف، وأن جلهم مخلصون للرواية، وتجريبيون، كما أن البعض منهم لم يقدموا شيئاً يذكر، لافتاً إلى أن البحث عن الشهرة أو التقليد وراء الخوض الروائي في المسكوت عنه، وحول استحضار المرأة في التجارب الأدبية أشاد بشاعرية أحمد باعطب -رحمه الله- التي قدمت بشجاعة صوراً مختلفة للزوجة، وأعطت إشارات ودلالات متغايرة لتلامس جوانب اجتماعية عديدة، وتناول اللقاء خصوصية شعراء المدينة المنورة في استلهام المكان، وأثر منابر التواصل الاجتماعي في الحراك الثقافي، وفلسفته التأملية في السفر وصناعة الشعر، وقسوة الفقر، وإلى نص الحوار:

كيف بدأت تجربتك الأدبية؟ ومتى وجدت نفسك على موعد اضطراري مع التدوين؟

بدأت بالتأمل.. كنت طفلاً متأملاً، والتأمل يُهديك الكثير من الأفكار، ويزرع في طريقك ما لم تتوقع أحياناً، ويأخذ بيدك لتفكر بعيداً بعيداً، ويجعلك تفكر فوق مستوى عمرك الزمني، هذه بداياتي في تجربتي مع الأدب، والمبكرة في بدايات المرحلة المتوسطة دراسياً.

أما التدوين فكان لي اهتمام كبير به منذ البدايات الأولى بالمرسام والقلم، والآن أصبحتْ التقنية تدفع للتدوين دون أن نشعر، وصارت مواقع التواصل نفسها حاضنة للتدوين وحافظة أمينة للنتاج الأدبي، وهو أمر جاذب للمبدعين.

تتشح مؤلفاتك ودواوينك الشعرية بكتلة عاطفية حزينة فهل بواعثها ذاتية أم انعكاس للواقع المؤلم؟

أنا متفائل جداً، وأنفر من المتشائمين، وأؤمن أن الشعر لا موقد له مثل الحزن. المهم أن يكون هذا الحزن أبيض الروح، ضيفاً خفيف الظل، دافعاً للبحث عن السعادة، حاثاً على التغيير الإيجابي. ثم إني أؤمن أن الحزن أقوى البواعث الشعرية على الإطلاق، وقد سئل الأعرابي قديماً عن سبب كون أجود أشعارهم في الرثاء؟ فقال: لأننا نقوله وقلوبنا تحترق. أما الواقع، فلا يصفو لأحد مهما كان، وهذا من وجوه جماليته، ووظيفة الأدب أن يجعل هذا الواقع تفاعلياً في صورة إيجابية، سواء أكان على حال نحبها أم غير ذلك. الكتابة ليست رفاهية، هي فعل مدفوع بباعث نفسي حثيث، يختلف من شخص لآخر، وهي متنفَس كبير ومهم للحزن بلا شك.

بصفتك ناقداً أكاديمياً ما الذي يميز الروائيين السعوديين عن غيرهم؟ ولماذا يتعمد البعض الولوج إلى المسكوت عنه؟

لا يميزهم شيء عن غيرهم من الروائيين، سوى أنهم كانوا سبباً لطفرة روائية كبيرة في الكم والكيف، لدينا روائيون مخلصون للرواية، وتجريبيون، وروائيون لم يقدموا شيئاً يذكر، مثل أي ثقافة أخرى. ويحسب للروائيين السعوديين أنهم قارئون جيدون للأدب العالمي، وهذا انعكس على عدد من التجارب الروائية في المملكة بوعي وفن.

أما المسكوت عنه فهو مختلف من بيئة لأخرى، وما يكون مسكوتاً عنه هنا قد لا يكون كذلك في بيئة أخرى أو مجتمع آخر، ويبقى السؤال دائماً عن سبب الخوض الروائي في المسكوت عنه؟ هل هو للعلاج أو تقليد لتجارب سابقة أو بحث عن الشهرة والتسويق.

تناولت في إحدى دراساتك الزوجة في شعر أحمد باعطب فإلى أي مدى اختلفت ملامح المرأة أدبياً؟

أحمد با عطب ( رحمه الله )

أحمد باعطب -رحمه الله- كان شجاعاً في شعره من حيث الحديث عن الزوجة وحواراتها مع زوجها وانطباعات الزوج بعد ذلك، كان يسخر من نفسه في بعض المواقف المفترَضة، وأيضًا من الصور (الكاريكاتورية) للزوجة، في سبيل تقديم رسالة هادفة، وهذه السخرية تتطلب قدراً كبيراً من الإخلاص الفني، والوعي الذاتي.

باعطب قدم صوراً مختلفة للزوجة، تعمد أن تكون متنوعة، لتعطي إشارات ودلالات متغايرة أيضاً، وقد لامستْ جوانب اجتماعية عديدة في قالب ساخر فكاهي مقبول، وهذا تطور جيد في استحضار المرأة/الزوجة في التجارب الأدبية.

ملامح المرأة موجودة دائماً في الأدب العربي، ولكن حين نتحدث عن الزوجة خصوصاً، فالزاوية تضيق جداً، ولا تظهر إلا أسماء قليلة، أزعم أن باعطب من أكثرهم تميزاً في حضور الزوجة كما، وأميزهم على الإطلاق كيفاً وتنوعاً حسب ما أسلفت.

استقصيت بدقة الباحث استلهام شعراء المدينة للمكان، فما الخصوصية التي أردت تجليتها؟ وما الذي يميز شعرهم عن غيره؟

المكان برز عنصراً مهماً في التجارب الأدبية على مر العصور، ولذا أولاه النقد أيضاً اهتماماً أكبر، على اختلاف في المصطلح، شعرية أم جمالية، مكان أم فضاء.

حين تتحدث عن بيئة كالمدينة فكل الأمكنة مقدسة، ما أكثر الجبال الشاهقة والعظيمة، ولكن هل هناك جبل يشعر ويبادل الحب بحب كأحد؟ ما أكثر الأودية التي تسحر العيون بتفاصيلها، هل هناك كالعقيق في بركته؟ ما أكثر المساجد المباركة، لكن كيف تشعر إزاء مسجد صلى فيه بدءًا سيد من أسياد الصحابة؟

في البحث اخترت جبل أحد، وكان شعراء المدينة يستلهمونه بعمق وتأمل وحب، على عدة مستويات، هناك من اندمج عاطفياً وفكرياً، وهناك من استلهم تاريخه، وهناك من استغرق في وصفه، وكلها مستويات تدل على مكانته على اختلاف أدواتها الفنية.

تناولت في بحث لك حركة الشعر في “تويتر”، فهل غيبت وسائل التواصل الاجتماعي رهبة الإبداع؟ وما أثر المنابر الحديثة في الحراك الأدبي وبروز أشكال وفنون مختلفة؟

المبدع الحقيقي يجد في نفسه الرهبة دائماً، بغض النظر عن وسيلة التواصل تقليدية كانت أم من وسائل التواصل الاجتماعي المستجدة.

وهذه الوسائل ذات دور كبير جداً في ظهور طاقات إبداعية جديدة، والتعرف عليها والتواصل معها مباشرة دون وسيط، أزعم أن هذه الوسائل هي نفسها ما تستعين به المنابر التقليدية للتواصل مع المبدعين أيضاً. الكثير من المبدعين حالياً مكتفٍ بمنصاته التواصلية في الفيس بوك وتويتر، وهذا تحدٍ جديد للوسائل التقليدية المعروفة سابقاً، كيف يمكن أن تجدد في عطائها وآلياتها.

في كتابك “مفارقات رحال” ومضات متعددة نشرتها في الهواء الطلق فهل حقاً يصنع السفر شاعراً والفقر مبدعاً؟

كتابي “مفارقات رحال” كما يظهر من عنوانه، يرصد المفارقات، وهي كثيرة، ذكر السؤال منها اثنتين برزتا في سياق معين. السفر باعث، والفقر كذلك، والبواعث مهمة جداً في توجيه الفعل الإنساني عموماً.

ما يصنع الشاعر الحقيقي هو التأمل لا غير، وأظن السفر يهدينا كثيراً من لحظات التأمل غير المسبوقة، ويمدنا بطاقة إيجابية تحثنا على التغني والتنفيس وإبداء الرأي.

أما الإبداع، فهو طاقة ضخمة تحتاج إلى طاقة باعثة أضخم، والفقر قاسٍ كما ورد في الأثر “لو كان الفقر رجلاً لقتلته”. هذه القسوة تتطلب عزيمة صلبة، وإرادة نوعية، وهما سمتان لدى الباحثين عن الحياة/الإبداع.

المصدر
الرياض
اظهر المزيد

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *